حجر "روزيتا" أو رشيد.. فك به شامبليون طلاسم اللغة الهيروغليفية القديمة عام 1799.. واليوم يحاول علماء الفضاء أيضا بـ "روزيتا" فك رموز وطلاسم كون الله الفسيح لكن هذه المرة تشكل الحجر ليصبح مكوكا فضائيا.
تم تأجيل تلك المهمة أكثر من مرة واستمر التخطيط لإطلاقها سنوات إلى أن تحقق الحلم أخيرا وانطلقت روزيتا للفضاء في 2 مارس 2004، بعدما تم في نوفمبر 1993 الموافقة رسميا على مهمة روزيتا في البرنامج العلمي للـESA وكالة الفضاء الأوربية، وفي ديسمبر 2002 تأجل الانطلاق بسبب إخفاق عملية التحميل مع صاروخ آرين. ساعتها كان المذنب المقصود هو ورتانان 46 ب Wairtanen /46p ثم اختير المذنب الجديد بعد هذا التأجيل بعدما رأى العلماء أنه أنسب في دراسته.
شيدت روزيتا بواسطة فريق صناعي من أكثر من 50 شركة أوربية بالاشتراك مع عدة شركات أخرى من خارج الدول الأوربية وتكلفت الرحلة 70 مليون يورو... وسيتم إدارة العملية بواسطة مركز ESA لإدارة العملية من "دارميستاد" بألمانيا.
ولمدة عشر سنوات سيكون هدف روزيتا الرئيسي هو الوصول والالتحام بالمذنب الثلجي شوريمور 67 ب أو "Churyumor-Gerasimenk/ 67P"؛ لدراسة بيئته تفصيليا لمدة سنتين عبر مسبار ستحط به على متنه، وخلال هذه المدة ستتتبع روزيتا المذنب عدة أشهر في أثناء اتجاهه إلى الشمس؛ لدراسة مكوناته الكيميائية ونواته، وستحدد قوته وكثافته ومساميته وخصائصه الحرارية وتغيراتها أثناء بعده أو قربه من الشمس.
كل هذا من أجل الإجابة على عدة أسئلة خاصة بنشأة الكون والمجموعة الشمسية؛ فالسؤال الذي يشغل بال العلماء هو: هل أتت المكونات الأساسية للحياة من الفضاء الخارجي؟ هل اصطدمت المذنبات بالكون وبذرت الكيميائيات الأساسية لبداية الحياة؟ أو كما يقول البعض كانت هي والكويكبات حجر أساس خلق الأرض؟
وفي طريقها إلى المذنب ستمر روزيتا باثنين من الكويكبات الموجودة في الحزام الكوكبي بين المريخ والمشتري، وقد تم تحديد هذه الكويكبات بعد انطلاق روزيتا بعشرة أيام في 12 مارس 2004، وهما ستينز steins ولوتيتيا Lutetia وهذه المهمة أيضا للمساعدة في إجابة الأسئلة الماضية حيث لا توجد علميا فروق شاسعة بين المذنبات والكويكبات.
وسيتم دراسة "ستينز" في سبتمبر 2008، وقد حدد عرضه ببضعة كيلومترات، كما سيدرس لوتيتيا في يوليو 2010 وهو حوالي 100 كم في عرضه. حيث ستلتقط روزيتا صورا للصخور وستجمع المعلومات حول المكونات، والكثافة، والكتلة والحرارة لمعرفة أكثر حول خلق الكويكبات وعلاقتها بالأرض.
في وصف روزيتا
تتكون روزيتا من قطعتين أساسيتين: المركبة الرئيسية والمسبار (المهبط الأرضي)، تحمل المركبة الرئيسية 165 كجم من الأجهزة. عبارة عن 11 جهازا تم تطويرها في دول وكالة الفضاء الأوربية ESA بالاشتراك مع أمريكا، اليونان، المجر وتايوان. 4 من هذه الأجهزة مكلفة بملاحظة نواة المذنب، و3 أخرى ستدرس مكوناتها، وجهاز سيقوم بتحليل التربة، زيادة على ذلك عدة أجهزة استشعار ستخصص للبناء الداخلي للنواة وتداخله مع الرياح الشمسية، كما أن هناك جهازين سيحددان أيضا البناء الداخلي وكتلة النواة ولكن بواسطة موجات الراديو.
مقاييس المركبة هي 208× 201× 2 متر، وتحمل على جانبيها لوحين شمسيين، اللوح منهما 14 مترا، وهي الألواح الخاصة بتوليد طاقة المركبة.
الجزء الثاني من المركبة هو المسبار فيلايا Philae lander والذي طور تحت قيادة وكالة الأبحاث الفضائية الألمانية، ويحمل 9 أجهزة على متنه عبارة عن مجموعة من الكاميرات لصور عالية الجودة، إضافة إلى 3 أجهزة لدراسة وتحليل مكونات التربة، وجهازين لدراسة المجال المغناطيسي وتداخله مع الرياح الشمسية، زيادة على جهاز سيخترق سطح المذنب بعمق مترين ويثبت على أرضه ليصاحبه لمدة سنتين في نشاطه وسكونه.
يثبت المسبار على جانب من جوانب المركبة.. أما الجانب الآخر فيحمل صحنا استشعاريا عالي الدقة للاتصال مع الأرض. الوزن الكلي للمركبة هو 3 أطنان.
المهمة
ستنطلق روزيتا إلى المذنب المقصود الذي من المفترض أن تصل إليه في عام 2014 بعد 3 تحليقات منخفضة حول الأرض وواحدة حول المريخ وذلك لمساعدتها في الوصول إلى غايتها، خلال رحلة 10 السنوات ستمر كما ذكرنا باثنين من الكويكبات على النحو التالي:
- أول تحليق منخفض لروزيتا سيكون في مارس 2005 مع الأرض.
- ستدفع الجاذبية روزيتا إلى مجال آخر سيأخذها إلى المريخ بعد سنتين.
-خلال التقابل مع المريخ في فبراير 2007، ستقترب روزيتا مسافة 200 كم منه وتنقل ملاحظاتها العلمية.
- يتبع ذلك تحليق آخر مع الأرض في آخر نوفمبر من نفس العام.
- هذه التحليقات ستزيد من طاقة المركبة وتدفعها إلى الحزام الكوكبي بين المريخ والمشتري حيث تمر روزيتا بالكويكب "ستنيز".
- التحليق الآخر مع الأرض سيكون في نوفمبر 2009 والذي سيدفع روزيتا باتجاه مجال المذنب المقصود.
- ستمر في طريقها بالكويكب "لوتيتيا" في يوليه 2010.
- في منتصف 2011 ستكون روزيتا على بعد 800 مليون كم من الشمس وستأخذ 3 سنوات في الفضاء العميق حتى تصل إلى المذنب.
- ستنشط روزيتا نهائيا في يناير 2014 حين تكون على بعد 6 أشهر من المذنب.
- ستقترب ببطء إلى نواة المذنب الذي سيكون في حالة خمول في أغسطس 2014 وستنقل خرائط مفصلة لسطحه.. وتدرس مكان تثبيت المهبط الذي سيسقط من ارتفاع 1000 متر ويلمس السطح بسرعة بطيئة، وذلك بسبب ضعف جاذبية النواة ويثبت نفسه على السطح من خلال الحربون (ما يشبه الرمح).
- سيبعث "المسبار" المعلومات والصور المطلوبة لأكثر من عام حتى ديسمبر 2015، حيث ينشط المذنب ويتجه إلى الشمس بسرعة 135000 كم/ ساعة.
- ستتبعه في هذه الرحلة روزيتا المثبتة على سطحه وتسجل يقظته وتغيراته الحرارية بسبب اقترابه من الشمس وستصل معه إلى "الحضيض الشمسي" (أقرب نقطة للشمس) في أكتوبر 2015.
للرحلة.. مخاطر
نعم لا شك أن هناك مخاطر، بعض منها يمكن أن نبتكر لها الحلول وأخرى لا يمكن أن نكتشف أبعادها إلا بعد انتهاء المهمة. أحد أهم هذه التعقيدات هو الاستخدام الهائل للطاقة الذي تحتاجه روزيتا لتشغيل هذا الكم الهائل من الأجهزة والمعدات. وقد حاول العلماء التغلب على هذه النقطة بإدخالها إلى فترة سبات لا تعمل فيها إلا أجهزة استقبال الأوامر ومستمدات الطاقة. وذلك في محاولة للسيطرة على استهلاك الطاقة والوقت وتقليل تكاليف التشغيل قدر المستطاع.
في هذه الأوقات ستلف المركبة مرة كل دقيقة وتتلقى أكبر قدر من ضوء الشمس أثناء مواجهتها للشمس، وذلك عن طريق مئات الآلاف من خلايا السيليكون الموجودة على الألواح الشمسية تؤهلها لتشغيل أجهزتها والعمل في أماكن أبعد من الشمس بـ 800 مليون كم حيث تكون مستويات ضوء الشمس 4% فقط من الموجودة على الأرض وتولد هذه الخلايا 8700 وات داخل النظام الشمسي و400 وات أثناء الالتحام مع المذنب.
ستأخذ الأوامر حوالي 50 دقيقة للوصول من الأرض إلى المركبة وهذه إحدى عوائق الرحلة، فسيكون على روزيتا أن تتمتع ببعض الذكاء للعناية بنفسها وذلك يتم بواسطة الحواسب الآلية الموجودة على متنها والمتخصصة في إدارة المعلومات، والسلوك والسيطرة على المدار.
واحدة من أكبر التحديات لرحلة روزيتا كانت درجات الحرارة المتفاوتة التي ستتعرض لها روزيتا، فتارة بجانب الشمس وتارة في حالة سبات بعيدا عنها. وستتقي روزيتا الحرارة الزائدة بواسطة مشعات لتشتيتها إلى الفضاء. أما في خارج النظام الشمسي فلا بد أن تبقى الأجهزة الداخلية دافئة خاصة في فترة السبات، لذلك ستقوم سخانات موجودة في أماكن دقيقة مثل خزانات الوقود والأنابيب بهذا الدور.
أما المخاطر التي لن تعرف نتائجها الآن فأولها هو تثبيت الأجهزة المعقدة الذي لا بد أن يكون على جانب واحد من المركبة في واجهة المذنب بصورة دائمة خلال المهمة، وثانيها سيكون إنزال "المسبار فيلايا" بدقة متناهية تبلغ الملليمتر.
وانطلقت روزيتا..
وهكذا تصبح روزيتا:
-أول مركبة فضائية تعتمد على الألواح الشمسية لاستمداد طاقتها بدلا من مولدات الطاقة المعروفة.
-أول مركبة فضائية أوربية تدخل الحزام الكوكبي الرئيسي بين المريخ والمشتري.
-أول مركبة أوربية تقترب وتدخل إلى مجال نواة للمذنب.
- أول من يسبح مع مذنب أثناء اتجاهه للنظام الشمسي الداخلي.
-أول من يبحث من نقطة قريبة كيف يتحول مذنب متجمد بواسطة حرارة الشمس.
-أول مهمة أوربية تنزل مسبار على سطح المذنب، فقد كانت هناك 8 محاولات سابقة لدراسة المذنبات.
انطلقت روزيتا في مهمتها التاريخية المحفوفة بالمخاطر.. فهل تكتمل الرحلة؟ أم تطوى في ذاكرة التاريخ؟
تحيـــــــــــــاتـــــــي
المـــــــــــــــــــديـــــــــــــــر